آثار

تعرف على مسجد «الأزهر الصغير»..جمال وتاريخ فى «الغربية»

محتوى المقالة

فى قرية يمتد تاريخها إلى عهد المصريين القدماء، وتضم العديد من الآثار الفرعونية والقبطية والإسلامية، يقع مسجد سيدى أحمد البجم، أحد أقدم المساجد بمحافظة الغربية، الذى تم إنشاؤه، فى بادئ الأمر، كمدرسة يُحفَّظ فيها القرآن الكريم، وتُدرَّس فيها العلوم الفقهية والأزهرية على يد كبار العلماء والفقهاء، حتى أُطلِق عليه «الأزهر الصغير». وبعد نحو أربعة قرون من الزمان، تم تجديد عمارة هذه المدرسة، وتحويلها إلى مسجد، أُطلِق عليه اسم مُجدِّده «أحمد البجم».

ووفقًا للوحة التأسيسية لهذه «المدرسة الأزهرية» فقد أنشأها العالم الفقيه ضياء الدين رضوان بن الشيخ أبى محمد الخضر، عام 1231ميلاديا، وقام بتجديد مبناها الحفيد أحمد البجم عام 1622ميلاديا، لتصبح على يديه مسجدا، ودُفِن بداخله. ولم يتبق من تلك المدرسة إلا اللوحة التأسيسية بجدار ضريح رضوان المطل على صحن المسجد، التى جاء فيها ما نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. لا إله إلا الله محمد رسول الله. أمر بإنشاء هذه المدرسة الفقيه الأجل العالم ضياء الدين رضوان بن الشيخ أبى محمد الخضر، وحتَّمَ فى حياته على أن يُقرأ فيها العلم، وجعل النظر فيما بعده لولده ولولد ولده، إلى انقضاء عَقِبه، إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها، وذلك فى ذى الحجة لسنة تسع وعشرين وستمائة من هجرة النبى صلى الله عليه وسلم».

يؤكد يوسف الشحات، مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بمحافظة الغربية، أن مسجد أحمد البجم، الكائن فى قرية «إبيار» التابعة لمركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، من أقدم وأعرق المساجد بالمحافظة. وكان يُطلَق عليه «الأزهر الصغير»، لأنه كان قِبلة للعلم، ويسير علماؤه على نهج الجامع الأزهر الشريف. ولذلك كان خريجوه يُجازون مباشرةً، أيْ يُمنحون الإجازة فى العلوم المختلفة، من الجامع الأزهر الشريف.

ويضيف أن المسجد تابع لوزارة الآثار، ويقع فى الطرف الشمالى لقرية «إبيار» بشارع يعرف باسم أحمد البجم، وتم تسجيله بالقرار رقم: 10357 بتاريخ 21 نوفمبر من عام 1951. وتم نشر القرار فى الوقائع المصرية بالعدد 115 فى 17 ديسمبر 1951. وحسب شرح الشحات، يعود تاريخ إنشائه إلى العصر الأيوبى، حيث أنشأه الشيخ ضياء الدين رضوان منتصف القرن الثالث عشر ميلاديا، مشيرًا إلى أنه تم ترميم مسجد أحمد البجم أخيرا وتحديدا عام 2018 بالجهود الذاتية من جانب أهالى القرية، وتحت إشراف كامل من «الآثار».
وعن التخطيط المعمارى للمسجد، توضح داليا جمال، مفتشة آثار بمنطقة الغربية: «مساحة المسجد مستطيلة الشكل تقريبًا، يزيد عليها جنوبى جدار القبلة حجرة مربعة، تقوم عليها قبة مضلعة، تمثل ضريح الشيخ أحمد البجم، وألحقت بها غرفة أخرى خلف المحراب، بها قبر والدته، زينة الفؤاد». وتضيف أن للمسجد واجهة رئيسية هى الواجهة الشمالية الشرقية، تمتد بطول 38 مترًا، وتحتوى على المدخل الرئيسى والمئذنة والقباب الضريحية الثلاث. أما صحن المسجد فهو عبارة عن مستطيل طول ضلعه 8٫50 متر، وعرضه 8٫30 متر، ويحيط به ثلاثة إيوانات، أكبرها إيوان القبلة، وهو الإيوان الجنوبى الشرقى. وتواصل مفتشة الآثار شرحها:»أما المئذنة، فتقع فى أقصى الطرف الأيمن من الواجهة الرئيسية، وهى عبارة عن أربعة طوابق، وتعد من أعلى وأجمل المآذن فى منطقة وسط الدلتا».

وتشير إلى أن المحراب الرئيسى للمسجد، تعلوه زخرفة الطوب المنجور، ويجاوره منبر خشبى عليه اسم صانعه, أما السقف الخشبى للمسجد فيتميز بزخارفه الملونة والأزاردى والكتابات القرآنية والأوراد، كما يتميز المدخل بزخارفه المَصية وكتاباته الجميلة.

ويعود يوسف الشحات، مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بمحافظة الغربية، إلى الحديث عن قرية «إبيار» تحديدا، فيقول: «إن الآثار الموجودة بها حتى الآن تدل على أنها قرية ضاربة فى عمق التاريخ، بعصوره المختلفة منذ العهد الفرعونى، فقد ذكرها المقريزى فى خططه، والإدريسى، وابن بطوطة، والمؤرخ عبد الرحمن الجبرتى الذى وُلِد بها. وكان اسمها فى السابق (بنى نصر)، وفيها مواقع أثرية فرعونية وإسلامية وقبطية، مثل مسجد العمرى، الذى تم بناؤه فى أثناء الفتح الإسلامى لمصر، ولم يتبق منه سوى مئذنته فقط، كما أن بها مجموعة من المساجد الأثرية، مثل: زاوية الشريف، التى أسسها أحمد بك الشريف، وهو من أعيان إبيار، وكان عمدتها وأحد أعضاء مجلس شورى النواب زمن الخديو إسماعيل، عن مديرية الغربية. وكذلك زاوية نجا (تحت التسجيل)، بالإضافة إلى سبيل رمضان، الذى يُعد من أهم الأسبلة بعد السبيل الأحمدى وسبيل على بك الكبير بمدينة طنطا. وقد شيد سبيل رمضان، الشيخ محمد حسين رمضان، وهو من أعيان بلدة إبيار. ومن أشهر الآثار القبطية الموجودة فى (إبيار) دير مارى مينا، وكنيسة السيدة العذراء، وهى مسجلة بوزارة الآثار».
ويضيف أن الرحالة ابن بطوطة (1304-1377) زار قرية «إبيار»، وكتب عنها فى مؤلفه «تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، قائلا: «وهى قديمة البناء، أرجة الأرجاء كثيرة المساجد، ذات حسن زائد، وتُصنع بإبيار ثياب حسان تعلو قيمتها بالشام والعراق ومصر». وكانت تشتهر قديمًا بصناعة الحرير، حيث ذكر الجبرتى (1753 – 1825) أن حرير إبيار يفوق حرير الشام، كما اشتهرت بالحدادة وصناعة الزيوت. كما ورد ذكرها عند ابن دقماق (1349 – 1407)، حيث قال: «إنها مدينة كبيرة فى طرف جزيرة بنى نصر، بها أسواق وقياسر، وحمامات وجامع وتجار قاطنون». وفى «الخطط التوفيقية» ذكرها على مبارك، فقال: «إبيار بلدة قديمة من مديرية الغربية بقسم محلة منوف، واقعة على بحر سيف شرقى كفر الزيات.. بها غرف كثيرة وقصور مشيدة، منها أربعة للأمير أحمد بك الشريف، مفتش سخا ومسير».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى