زراعة الزعفران نافذة أمل لمواجهة الأزمة الاقتصادية… فهل تنجح؟؟
بعد انهيار أغلب قطاعات الدولة، يجد بعض اللبنانيين في قطاع الزراعة نافذة أمل تمكّنهم من تخفيف أعبائهم المعيشية. فالزراعة في لبنان تُعتبر ثالث القطاعات بالأهمّية الاقتصاديّة بعد قطاعَي الخدمات والصناعة، وتُساهم بما يقرب من 7 في المئة من الناتج المحلّي الإجماليّ، بعائداتٍ لما يُقارب من 15 في المئة من السكّان.
قد يتبادر إلى أذهاننا، عندما نتكلم على القطاع الزراعي في الداخل، الزراعات التقليديّة المتعارف عليها مثل التبغ والزيتون… ولكن هذه المرّة اختار ابن مدينة القاع #البقاعيّة، أكثر المناطق تأثراً بالأزمة الاقتصادية، أن يتميّز من غيره من المزارعين، فيبدأ بحصد ثمار مشروعه الذي باشر العمل به منذ العام 2000 وهو زراعة “#الزعفران”.
ما هو الزعفران؟
يبدو الاسم غريباً بعض الشيء للأشخاص الذين لا يعلمون ما الزعفران وفوائده، فضلاً عن جهلهم بالمردود الماديّ الجيّد الذي يُمكن أن يعود به على المزارعين، وهو النبات الذي يُلقّب بالذهب الأحمر نظراً إلى أسعاره المرتفعة.
فالزعفران من أشهر وأقدم وأغلى أنواع التوابل في العالم، ويُباع بالغرام والمثقال كالذهب، ويتطلّب الحصول عليه جهداً وصبراً طوال السنة…
عالمياً، تُصنّف إيران الدولة الأولى بإنتاج نحو 90 في المئة من الزعفران العالمي، بمعدّل 336 طناً في السنة، ويُزرع على مساحة 105270.
ويُستخدم الزعفران في الكثير من العلاجات الطبيّة وتركيبات الأدوية.
تُعتبر تجربة القاع مميّزة بضخامتها على مستوى لبنان.
وقد تحدّث يوسف خليل وهبي، صاحب المشروع، لـ”النهار” عن نشاطه في زراعة الزعفران وبيعه، وعن بداية مشروعه.
يقول وهبي: “شرعت بمشروعي منذ العام الـ2000، حين حصلت على 250 نبتة ضمن مشروع “الزراعات البديلة” الذي أقامته وزارة الزراعة بالتعاون مع وزارة الداخليّة آنذاك، حين قدّمت وزارة الزراعة اللبنانية عدداً من النباتات لما يُقارب الـ200 مزارع. لكن آل وهبي كانوا الوحيدين الذين استمرّوا بنشاطهم إلى اليوم”.
لم يكن مشوار وهبي سهلاً، ولم يجنِ ثمار مزروعاته إلا بعد سنوات من الصّبر والكدّ والتّعب. ففي بداية رحلته هذه، لم يستطع خليل تصريف محصوله، وكان يقوم بتخزين جزء منه، فيما يذهب الجزء الآخر ما بين عيّنات للتّجار وهدايا… لكنّه في العام 2018 بدأ أصحاب المشروع بالتسويق لمنتجاتهم عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي انعكس إيجاباً على تصريف محاصيلهم.
في السابق، كان هناك قسم من اللبنانيين يقومون باستيراد الزعفران من إيران، ثمّ بعد الأزمة الإيرانية والحصار المفروض عليها أصبحت عمليّة الاستيراد أكثر صعوبة وتعقيداً، ممّا دفع هؤلاء الأشخاص إلى تجربة المحصول الداخليّ، فوجدوا أنّه من أجود الأنواع التي يُمكن الحصول عليها.
وفق وهبي، كانت المساحة المزروعة في البداية تحتوي على 250 نبتة، أمّا اليوم فهم أمام مساحة تصل إلى 15 ألف متر مزروعة بنبتة الزعفران.
يبلغ سعر الغرام الواحد من الزعفران في لبنان ما بين 5 و7 دولارات أميركية، ومن المفترض أن يحصد المزارع كيلوغراماً من كلّ 1000 متر، ولكن بسبب عدم وجود اليد العاملة اللازمة والتقنيات المطلوبة يذهب نصف المحصول هدراً في لبنان.
اليوم لا تقتصر الزراعة على عائلة آل وهبي فقط، إذ بدأت العائلة ببيع البصيلات إلى جانب المحصول، ويؤكّد وهبي أنّ هناك أكثر من 5 مشاريع في البقاع حتى اليوم.
هل يُصبح الزعفران زراعة بديلة للحشيشة بقاعاً!
لم يسلم وهبي من بعض المضايقات من بعض أصحاب الزراعات المنافسة في المنطقة. فمع بداية تسويقه لمنتجاته إعلامياً تعرّضت صفحاته لهجوم سيبراني.
الجدير ذكره أنَّ المردود الماديّ لزراعته هذه أعلى بكثير من زراعة الحشيش، لكنّ الفرق بينهما أنَّ زراعة الزعفران تحتاج صبراً ووقتاً للحصاد، كما أنَّ أسواق تصريفها قليلة بعكس زراعة الحشيشة؛ لذلك، لا يمكن اعتبارها زراعة منافسة للحشيشة حتى هذا اليوم.
نقيب المزارعين في البقاع… ورعاية الدولة
يؤكّد نقيب المزارعين في البقاع إبراهيم ترشيشي أنَّ هذه الزراعة بدأت كزراعة بديلة للحشيشة ضمن مشروع أطلقته الدولة، ولكنّه فشل فشلاً كبيراً، ولم يلقَ أيَّ متابعة من الجهات المعنيّة.
ويُشير ترشيشي إلى أنَّ تجمّع المزارعين يشجّع على هذه الزراعة، بالرغم من أن مشاريع كهذه تحتاج إلى رعاية كبيرة، خاصة أنّها بحاجة إلى يد عاملة كبيرة وباهظة الثمن، والكميّة التي يتمّ إنتاجها قليلة جداً.
وأضاف أنّه لا يمكن أن تنجح المشاريع المماثلة إلا تحت رعاية الدولة والجهات الراعية لمثل هذه المشاريع.
تجربة الجنوب لا تختلف كثيراً عن البقاع!
لم تقتصر زراعة الزعفران على منطقة البقاع فحسب، بل امتدت إلى منطقة الجنوب أيضاً، حيث أقدم أحد المواطنين من المتخصّصين في مجال تنظيم وإدارة المجال الريفيّ في بلدة مجدل سلم على إجراء تجربة لزراعة الزعفران في منطقته.
يؤكّد المواطن في حديث لـ”النهار” أنَّ زراعة النبتة في لبنان لا يمكن مقاربتها بتجربة بلدان أخرى مثل إيران وإسبانيا، وذلك بسبب اختلاف طبيعة المناخ.
وعن تجربته، أشار إلى أنّها كانت ناجحة، وبدأ بتصريف إنتاجه داخلياً، وإلى بعض الدول العربية لكون أسعار النبتة أكثر ارتفاعاً هناك.
وأوضح الباحث بأنَّ هناك الكثير من الفوائد للنبتة، لافتاً إلى أهمية الزيت الذي يُمكن استخراجه من الزعفران، والذي يُباع بأسعار مرتفعة. لكن عملية استخراج الزيت تعتبر التحدّي الأكبر في لبنان لأنها تحتاج إلى تقنيّات محدّدة.
وأكّد ابن مجدل سلم أنّه لم يعانِ أبداً من مشكلة في تصريف إنتاجه، بل حصل معه الأمر المخالف لما حصل مع أبناء البقاع. وشجّع على إعادة النظر بصياغة النظام الاقتصادي الزراعي في المنطقة، بما يلائم ويدعم المشاريع الصغيرة.